[ltr]نشرع بإذن الله في القدر المقرر من المسائل الفقهية لهذه الليلة[/ltr]
فَإِذَا سَلَّمَ خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ ..........
قوله: «فإذا سلم خطب خطبتين» ، أي: إذا سلم الإمام من الصلاة يخطب خطبتين، وإن خطب غيره فلا بأس كالجمعة، فيجوز أن يخطب واحد، ويصلي آخر.
وقوله: «خطبتين» هذا ما مشى عليه الفقهاء ـ رحمهم الله ـ أن خطبة العيد اثنتان؛ لأنه ورد هذا في حديث أخرجه ابن ماجه بإسناد فيه نظر، ظاهره أنه كان يخطب خطبتين[ ولفظه عن جابر: «خرج النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم فطر أو أضحى، فخطب قائماً، ثم قعد قعدة ثم قام».
أخرجه ابن ماجه في «سننه» (1289)، وضعفه البوصيري في «زوائده».
]، ومن نظر في السنّة المتفق عليها في الصحيحين وغيرهما تبين له أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يخطب إلا خطبة واحدة، لكنه بعد أن أنهى الخطبة الأولى توجه إلى النساء ووعظهنّ، فإن جعلنا هذا أصلاً في مشروعية الخطبتين فمحتمل، مع أنه بعيد؛ لأنه إنما نزل إلى النساء وخطبهنّ لعدم وصول الخطبة إليهن وهذا احتمال.
ويحتمل أن يكون الكلام وصلهن ولكن أراد أن يخصهنّ بخصيصة، ولهذا ذكرهنّ ووعظهنّ بأشياء خاصة بهنّ.
كَخُطْبَتَي الجُمُعَةِ ..........
قوله: «كخطبتي الجمعة» ، أي: يخطب خطبتين كخطبتي الجمعة في الأحكام حتى في تحريم الكلام، لا في وجوب الحضور، فخطبة الجمعة يجب الحضور إليها؛ لقوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}} [الجمعة: 9] ، وأما خطبتا العيد فلا يجب الحضور إليهما؛ بل للإنسان أن ينصرف من بعد الصلاة فوراً لكن الأفضل أن يبقى [لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحبّ أن يذهب فليذهب» [(خرجه أبو داود (1155)؛ والنسائي (3/185)؛ وابن ماجه (1290)؛ وابن خزيمة (1462)؛ والحاكم (1/295)؛ والبيهقي (3/301) عن عبد الله بن السائب رضي الله عنه. وقال الحاكم: «صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه». وصححه ابن التركماني في «الجوهر النقي» (3/301).] وإذا بقي حرم عليه الكلام.
وقال بعض أهل العلم: لا يجب الإنصات لخطبتي العيدين؛ لأنه لو وجب الإنصات لوجب الحضور، ولحرم الانصراف، فكما كان الانصراف جائزاً، وكان الحضور غير واجب، فالاستماع ليس بواجب.
ولكن على هذا القول لو كان يلزم من الكلام التشويش على الحاضرين حرم الكلام من أجل التشويش، لا من أجل الاستماع، وبناء على هذا لو كان مع الإنسان كتاب أثناء خطبة الإمام خطبة العيد فإنه يجوز أن يراجعه؛ لأنه لا يشوش على أحد.
أما على القول الذي مشى عليه المؤلف: فالاستماع واجب ما دام حاضراً.
يَسْتَفْتِحُ الأُْولَى بِتِسْعِ تَكْبِيراتٍ، والثَّانِيَةَ بِسَبْعٍ..........
قوله: «يستفتح الأولى بتسع تكبيرات والثانية بسبع» ، يعني: يستفتح الخطبة الأولى بتسع تكبيرات متتابعات والخطبة الثانية بسبع تكبيرات متتابعات.
والدليل على ذلك ما يلي:
1 ـ روي في هذا حديث، لكنه أعلّ بالانقطاع أن النبي صلّى الله عليه وسلّم «كان يستفتح الأولى بتسع تكبيرات والثانية بسبع» [(ما روى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: «السنّة التكبير على المنبر يوم العيد يبتدئ خطبته الأولى بتسع تكبيرات قبل أن يخطب، ويبدأ الآخرة بسبع».
أخرجه عبد الرزاق (5672 ـ 5674)؛ وابن أبي شيبة (2/190)؛ والبيهقي (3/299)، وعبيد الله من التابعين. قال النووي في «الخلاصة» (2/338): «ضعيف الإسناد غير متصل».
)]، وصارت الأولى أكثر؛ لأنها أطول، وخُصّت بالتسع والسبع؛ من أجل القطع على وتر.
2 ـ أن الوقت وقت تكبير، ولهذا زيدت الصلاة بتكبيرات ليست معهودة، وكان هذا اليوم يوم تكبير، فمن أجل هذا شُرع أن يبدأ الخطبتين بالتكبير، فصار لهذا الحكم دليل وتعليل.
وقال بعض العلماء: إنه يبتدئ بالحمد كسائر الخطب، وكما هي العادة في خطب النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه يبدأ خطبه بحمد الله، ويثني عليه.
وعلى هذا فيقول: الحمد لله كثيراً، والله أكبر كبيراً، فيجمع بين التكبير والحمد.
يَحُثُّهُمْ فِي الفِطْرِ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَيُبَيِّنُ لَهُمْ مَا يُخْرِجُونَ، وَيُرَغِّبُهُم فِي الأَْضْحَى فِي الأُْضْحِيَةِ وَيُبَيِّن لَهُمْ حُكْمَهَا.
قوله: «يحثهم» الفاعل الخطيب، والمفعول به يعود على الناس، أي: يحث الناس.
قوله: «على الصدقة» أي: صدقة الفطر، فـ(ال) هنا للعهد الحضوري؛ لأن هذا الوقت وقت صدقة الفطر.
قوله: «ويبين لهم ما يخرجون» أي: يبيّن لهم ما يخرجون، فيبيّن لهم النوعية من أنها تخرج من الطعام من البر، والتمر، والرز، والذرة لمن كانت طعامه، والشعير لمن كان طعامه، وما أشبه ذلك.
ويبيّن لهم القدر وهو صاع بالصاع النبوي، وهو أقل من الصاع المعهود عندنا «بخمس وخمس الخمس»، يقول شيخنا ابن سعدي ـ رحمه الله ـ: إن الصاع النبوي زنته ثمانون ريالاً فرنسياً، وزنة الصاع عندنا مئة وأربعة ريالات، فيكون الصاع عندنا زائداً على الصاع النبوي «الربع وخُمس الربع».
ويبيّن لهم الصفة فيقول: أخرجوا من الجيد؛ لأنه أفضل، ويبين أن الرديء كالمسوس والمبلول والمعفن لا يجزئ.
هكذا ذكر المؤلف أنه يبيّن زكاة الفطر في خطبة العيد، ولكن الصواب أنه يبين ذلك في خطبة آخر جمعة من رمضان، ويبين في خطبة العيد حكم تأخير صدقة الفطر عن صلاة العيد، وفي الحديث عن ابن عباس في السنن: «من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعدها فهي صدقة من الصدقات» [أخرجه أبو داود (1609)؛ وابن ماجه (1827)؛ والدارقطني (1/219)؛ والحاكم (1/409) وقال الحاكم: «صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه».].
قوله: «ويرغبهم في الأضحى...» إلخ، أي: يرغِّب الناس في خطبة عيد الأضحى في الأضحية، ويبيّن لهم فضلها، وأجرها وثوابها.
قوله: «ويبيّن لهم حكمها» ، يعني: هل هي سنّة أو واجبة، وسيأتي إن شاء الله بيان ذلك في بابه.
وكذلك يبيّن لهم ما يضحَّى به، وهو ثلاثة أنواع: الإبل والبقر والغنم.
ويبيّن لهم أيضاً مقدار السن مما يضحّى به، وهو أن تكون جذعة من الضأن أو ثنية من الإبل، والبقر، والمعز.
فإن ضحّى بثني من الضأن، فقال جمهور العلماء: إنها تجزئ.
وقال أهل الظاهر: إنها لا تجزئ؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن» [أخرجه مسلم (1963) عن جابر رضي الله عنه.]، والثنية أكبر من الجذعة فلا تجزئ، اتباعاً لظاهر اللفظ.
ويبيّن لهم في خطبة الأضحى وقت الأضحية، وأنه من بعد صلاة العيد إلى تمام أربعة أيام، أي: يوم العيد وثلاثة أيام بعده، وهي: أيام التشريق على القول الراجح.
وما ذكره المؤلف من أنه يبيّن الأضحية وما يتعلق بها في خطبة عيد الأضحى مناسب؛ كما جاءت به السنّة.
والله تعالي أعلم وللحديث بقية بإذن الله عزوجل